11‏/07‏/2011

الوثيقة العدلية وازدواجية النظام القانون

الوثيقة العدلية وازدواجية النظام القانون

كتبهاعبدالله الشرقاوي ، في 19 أغسطس 2007 الساعة: 12:44 م

ذ. الطيب لمنوار ـ عدل ـ الناظور ـ

.. بالرغم من التخوفات التي يثيرها بعض الفقه بشأن الآثار السلبية الناتجة عن ازدواجية النظام القانوني للعقار بالمغرب (1) فإن الأمر الذي يجب التنبيه إليه هو أن للتوثيق العدلي دورا لا ينكر في التخفيف من هذه الآثار وطمأنة المتعاملين في مجال العقار غير المحفظ على حقوقهم، حيث أن نظام التوثيق العدلي سبق نظام التحفيظ العقاري في تطهير الملك، وطمأنة المالك، لذلك يجب ألا يبالغ في الإشادة بالعقار المحفظ على حساب الوثيقة العدلية.
وملكية العقار غير المحفظ قد تكون في مستوى الرسم العقاري إذا تم تأسيسها وفق الضوابط المعمول بها في الفقه المالكي، مع العلم أن الرسم العدلي الصحيح هو الأساس في إنشاء الرسم العقاري.
لهذا فالمراد بالعقار غير المحفظ في قانون رقم 18.00 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.298 بتاريخ 25 رجب 1423 ، الموافق ل 15 أكتوبر 2002 ، المتعلق بنظام الملكية المشتركة، وقانون رقم 44.00 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.309 بتاريخ 25 رجب 1423 ، الموافق ل 03 أكتوبر 2002 المتعلق ببيع العقارات في طور الإنجاز، وكذا قانون رقم 51.00 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.202 بتاريخ 11 نوفمبر 2003 هو ذلك العقار المملوك لمالكه برسوم عدلية صحيحة وتامة ولم يكن في حد ذاته موضوعا لأي رسم عقاري، أو مطلب تحفيظ.
وعليه فلا يمكن أن يكون المشرع قد قصد بالعقار غير المحفظ ذلكم العقار المهمل المجرد عن سند الملك، فهذا النوع من العقار لا يندرج ضمن العقار غير المحفظ، وإنما هو عقار مهمل لا مالك له، يحق للمتصرف فيه عن طريق الحيازة الهادئة المستوفية للشروط أن يقيم موجب الملكية لدى العدول متى سمح له القانون بذلك.
وازدواجية النظام القانوني للعقار بالمغرب نظام قانوني فرضه الواقع نفسه إذ لا يكفي الحديث عن سلبيات العقار غير المحفظ في غياب شروط الانتقال من العقار غير المحفظ الى العقار المحفظ، أو بعبارة أخرى غياب شروط تعميم التحفيظ.
وأمام هذه الإكراهات الواقعية وفي صميمها جاء خطاب جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني في الملقى بمدينة طنجة بتاريخ 18 / 09 / 1967 :(… ولله الحمد اليوم وقع اطمئنان للجميع كل واحد يعرف أرضه وهو مطمئن عليها إما برسم من مصلحة المحافظة العقارية أو برسم عدلي…) انتهى كلام جلالته.
والمالك لعقار غير محفظ برسم عدلي لا يسعه إلا الاطمئنان على أرضه وملكه متى كان توثيق هذا الرسم وفق القواعد المعمول بها في هذا النطاق، وهنا يجدر بنا أن نتوقف مهلة عند نوعين من الرسوم العدلية، التي تعتبر سندا للملك.
- النوع الأول: رسم موجب الملكية:
وهو موجب لفيفي يتكون من اثني عشر شاهدا يشهدون لدى العدلين على نسبة العقار محل الشهادة إلى صاحبه الذي تصرف فيه على وجه التملك مدة تزيد عن عشر سنوات بدون علم منازع له في ذلك ولا معارض. وحتى يكون هذا الموجب صحيحا يجب أن يخضع للشروط الآتية:
1 - الإدلاء بشهادة من السلطة الادارية تبين أن العقار المراد إثبات ملكيته ليس جماعيا، ولا يكتسي صبغة جماعية. وهذه الشهادة من المفروض ألا تسلم إلا بعد اجتماع لجنة في العمالة تتكون من ممثل المحافظة العقارية، وممثل المياه والغابات، وممثل الأملاك المخزنية، وممثل نظارة الأوقاف والأملاك الحبسية، وممثل السلطة الادارية.
2 - شهادة 12 رجلا مسلما تتوفر فيهم الشروط الآتية:
- أن يفوق سنهم مدة الحيازة المنصوص عليها في الموجب ب 18 سنة، فإذا كانت مدة الحيازة 20 سنة يجب أن يكون سن أصغر شاهد هو 38 سنة على الأقل، ولا يجوز في جميع الأحوال أن يقل سن الشاهد في موجب الملكية على 28 سنة - معرفتهم التامة بصاحب الملك - معرفتهم لموقع العقار وحدوده - معاينتهم لتصرف المالك وحده في العقار محل الإثبات على وجه التملك مدة عشر سنوات على الأقل - عدم علمهم بأي نزاع بين المالك والغير حول نسبة الملك خلال مدة الحيازة - عدم علمهم بخروج الملك من يد المالك بناقل شرعي منذ بداية الحيازة الى يوم أدائهم الشهادة - تحقق العدلين من هوية الشهود وطالب الشهادة - تيقن العدلين من صحة الشهادة وحسن نية طالبها.

-4 - توقيع العدلين

- النوع الثاني: رسوم عدلية عبارة عن عقود التفويت:
وهي إما شراء، أو صدقة، أو هبة، أو تنازل بدون عوض، أو مناقلة، أو…. وحتى تكون هذه العقود صحيحة يجب أن تكون موثقة وفق قواعد التوثيق العدلي المعمول بها، حيث يجب أن تتضمن ما يلي:
- 1) تاريخ التلقي بالساعة واليوم والشهر والسنة. - 2) البيانات المتعلقة بالهوية الكاملة للمتعاقدين . - 3) المواصفات التامة للعقار من حيث تحديد مساحته، ومحتوياته، وحدوده، وموقعه، واسمه إن اقتضى الحال. - 4) الثمن إذا كان التفويت بعوض، ومعاينة العدلين للحيازة في حالات عقود التبرع المنصبة على جزء مفرز من الملك - 5) مراجع سند الملك . - 6) مراجع تسجيل العقد في دار التسجيل والتمبر. - 7) توقيع العدلين. - 8) مراجع التضمين بسجل الأملاك بالمحكمة قسم التوثيق. - 9) خطاب القاضي.
وهذه باقتضاب مواصفات الرسم العدلي الصحيح الذي يسند به العقار غير المحفظ إلى مالكه، والذي بموجبه يطمئن المالك عن ملكه، وإلا فسند الملك للعقار، الذي لايتضمن المعطيات المذكورة لا يمكن إدراجه ضمن الرسوم العدلية الصحيحة.
وفي انتظار خروج قانون رقم 01/19 المتعلق بمدونة الحقوق العينية إلى حيز التطبيق يجب أن ننبه السادة العدول الغيورين على مهنتهم الشريفة والملتزمين بقواعدها وأدبياتها إلى ضرورة فحص العقود المدلى بها من طرف البائع،، أو المتبرع والتأكد من توفرها على المواصفات المذكورة قبل الشروع في عملية التفويت، وأي تساهل أو إغفال، أو تجاهل سيعرض الوثيقة للطعن، والإبطال بمقتضى قاعدة:( ما بني على باطل فهو باطل)، اقتداء برواد التوثيق الأوائل، وامتثالا لما جرى به العمل في عرف الموثقين الأصلاء.
في هذا الصدد، يقول العلامة الصنهاجي رحمه الله :( والذي جرى به العمل بفاس منذ أواسط القرن الهجري حتى الآن هو الاكتفاء بثلاث شراءات للأصل المبيع فيطالب البائع بدفعها للمشتري، أو إعطائه نسخة منها مسجلة على القاضي)، (2)
كما يجب على السادة العدول التأكد من طبيعة العقار، ووضعيته القانونية قبل الإقدام على إبرام عقد التفويت ،وذلك عن طريق توجيه المشتري الجديد (3) إلى المهندس الطبوغرافي المساح، من أجل معاينة موقع العقار المراد شراؤه، والتأكد من خلوه من أي رسم عقار، أو مطلب تحفيظ، وذلك حرصا على مصلحة الزبون، الذي وضع الثقة في العدول والتجأ إليهم لتوثيق حقوقه توثيقا رسميا، ولا معنى للرسمية غير الصحة، والتثبت.
وعلى العدول عند إبرام عقد التفويت أن يجعلوا نصب أعينهم أن العقد المراد توثيقه في نطاق العقار غير المحفظ سيعرض عاجلا، أو آجلا على الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، ويتحتم أن يحظى هذا العقد بالقبول لدى السيد المحافظ على الأملاك العقارية، وإلا سيضطر المشتري الجديد الراغب في فتح مطلب التحفيظ انتظار مضي مدة عشر سنوات من أجل إقامة موجب الملكية، وإثبات الحيازة الهادئة.
وتجنبا لكل ما من شأنه أن يسيء الى الوثيقة العدلية، ويثقل كاهل المشتري يجب التريث عند إبرام عقود التفويت المنصبة على العقار غير المحفظ، والاعتماد وجوبا على العقود، والمستندات القابلة لفتح مطلب التحفيظ دون سواها، وفي حالة كون السند المدلى به ناقصا، ولو كان رسما عدليا، فإنه يجب تصحيحه، وإتمام نقصه إن أمكن ذلك قبل اعتماده في التفويت، والأوجب على المفوت (بائع، أو متبرع) إقامة موجب الملكية ثم بعد ذلك يتم إبرام عقد التفويت لدى العدلين بناء على هذا الموجب.
وبهذا الإجراء يمكن تفادي مخاوف العقار غير المحفظ، وتجاوز إشكالية ازدواجية النظام القانوني للعقار، والاتجاه تدريجيا نحو تعميم العقار المحفظ، هذا النوع من العقار الذي يصبو إليه كل مغربي يطمح إلى تملك عقار سليم، أو طاهر من حقوق الغير نظرا لضماناته، وبساطة إجراءات تفويته إذ مجرد الإدلاء بشهادة حديثة التاريخ من المحافظة العقارية يمكن التعرف على المالك الحقيقي للعقار والاطلاع على مختلف الحقوق المتعلقة به (رهون ـ تعرض إن كان العقار في طور التحفيظ ـ كون العقار خاضعا لمقتضيات الاستثمار الفلاحي ـ شرط فاسخ…). وعلى هذا الأساس يبقى الامتياز الوحيد للعقار المحفظ هو عدم احتمال وجود أكثر من سند التملك بخلاف العقار غير المحفظ فإن تعدد مستندات الملك للعقار الواحد أمر وارد في كل وقت وحين، مما يستوجب عرض المستندات على القضاء في حالة النزاع لترجيح السند المناسب للعقار وتحديد المالك الحقيقي وفي هذا ضياع للوقت والمال وتفويت للمصالح.
ومن اجل تفادي كل هذه المخاوف يتعين وجوبا اعتماد اقتراحات الهيئة الوطنية لعدول المغرب بخصوص مشروع قانون رقم 01/19 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، ومشروع قانون رقم 03/16 المعروض حاليا على غرفة المستشارين بالبرلمان، هذا الأخير الذي يرمي الى تحديث مؤسسة التوثيق العدلي وتنظيمها تنظيما لائقا يرقى الى مستوى المعاملات التعاقدية الحديثة والالتزامات المعاصرة، ويستوعب روح قيمنا الإسلامية، ومضمون تراثنا الفقهي الأصيل، إذ لا حياة قانونية ولا آثار شرعية لملكية عقارية بدون وثيقة عدلية في المملكة المغربي.

هوامش:
1 ـ ذ: محمد مومن: »العقار غير المحفظ الى أين«؟ بحث شارك به في الندوة الوطنية التي نظمها مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش يومي 27 ـ 28 فبراير 2004.
2 ـ عبد الرحمان بلعكيد: »وثيقة البيع بين النظر و العمل«: صفحة 152 طبعة 1995 مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
3 ـ أقوال المشتري لأن البائع قد يكون عالما بوضعية العقار ولا يصرح بذلك بل قد يتعمد السكوت إن كانت وضعية العقار غير سليمة من اجل التخلص منه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا على مشاركتكم