ارتبطت الكتابة والتوثيق العدلي منذ القدم بالعلم والعلماء، لشرفها وخصوصيتها وشموليتها إلى أن جاء الاستعمار فألقى على هذه المهنة ظلالا من التعتيم، وسعى إلى تهميشها حينما أوحى للناس أنها مهنة تقليدية لاتساير مستجدات العصر، بينما كان الغرض من هذه الإشاعة تحجيم مهام السادةالعدول الموثقون من أجل تعويضها بالموثق العصري الذي هو من صنيعة الاستعمار بامتياز لتوثيق معاملاته الاستعمارية وتصريفها وفق مراده عن طريق الموثق العصري الذي . صنعه منذ 1925 .
عرف الفقيه المالكي ابن فرحون مهنة العدالة فقال في كتابه ''تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومنهاج الأحكام'' فقال: التوثيق العدلي صناعة جليلة شريفة، وبضاعة عالية منيفة، تحتوي على ضبط أمور الناس ودماء المسلمين . وأموالهم وفق الضوابط الشرعية وترتبط خطة العدالة كما هو متعارف عليها اليوم بركنين أساسيين:الركن الأول هو الشهادة، والركن الثاني هو التوثيق، بمعنى أن كاتب العدل هو شاهد في نفس الوقت، يشهد ويكتب عقد الزواج، بخلاف ما يوجد في المشرق، حيث إن كتاب العدل لا علاقة لهم بالشهادة، ويجب إحضار شاهدين من الناس، والكاتب العدل يقوم بتسجيل هذه الشهادة ، والشهادة لها امتداد في تاريخ الحضارات القديمة، وقد عرف العمل بها منذ فجر الإسلام، ويكفي الشهادة شرفا وقدرا باعتبارها من مهام العدول، أن تكون عنوان الدخول إلى الإسلام، كما ارتبطت الشهادة بآية الدّيْن بالكتابة في أطول آية في القرآن الكريم في سورة البقرة.
أنصبة الوراثة، وهم الذين يوثقون جميع المعاملات العقارية المحفظة، ويوثقون حجة الملكية بالنسبة للعقارات غير المحفظة سواء في المدار الحضاري أو العقار في المدار القروي. إضافة إلى ذلك فإن السادة العدول الموثقون يعتبرون من مساعدي القضاء، وهي صفة قانونية تزيد المهنة شرفا ورفعة.وبالتالي فالعدل الموثق قاضي احتياطي يفض النزاع قبل حلوله و نائب عن الدولة في استخلاص الضرائب فكما شرفت بارتباطها بالنص القرآني وبالشريعة ككل، فكذلك شرفت بانتسابها لكثير من العلماء، بصفتهم كانوا يهتمون بهذه المهنة سابقا، ودونوا ذلك في رسائل علمية وكتب عديدة، ككتاب ''التدريب للوثائق العدلية'' للفقيه المغربي أبي الشتاء الصنهجي، وكتاب ''المنهل الرائق والمعنى اللائق بآداب الموثق''. ثم إن اختصاصات السادة الموثقون العدول هي اختصاصات واسعة، انطلاقا من الأحوال الشخصية إلى عقود المعاملات في البيع والشراء، خلافا لما يعتقد كثير من الناس أن مهنة التوثيق العدلي مهنة تقتصر فقط على عقود الزواج والطلاق والإراثات والأحوال الشخصية، وأن العدل الموثق لايستطيع إنجاز عقود الشركات، مثلا كالتجزئات العقارية، في حين أن السادة العدول الموثقون يستطيعون أن يقوموا بكل هذه الأعمال التي يقوم بها الموثق العصري
قانونا، ولنا مساحة واسعة في التعامل مع جميع العقود المتعلقة بالتحفيظ العقاري طبقا للقانون الجديد للملكية المشتركة تحت بند القانون رقم18 00 هذا القانون يعتبر مكسبا جديدا لمهنتنا، حيث منحت لمهنة العدول صفة أخرى متميزة، علاوة على الصفة الشرعية التي يتصفون بها. ومهني العدالة يجب أن يكون سالما من خوارم المروءة بمعنى أن يكون مشهودا له بالنزاهة، ويكون عارفا بأمور الشريعة و القانون، كون هذه المهنة لها مرجعية دينية و قانونية. والفرق بين التوثيق العدلي والتوثيق العصري، هو أن الأول يتلقى تكوينا شرعيا و قانونيا، بينما الثاني يتلقى تكوينا عصريا. نحن الآن نسعى إلى منافسة شريفة مع إخواننا الموثقين، وعلى تحقيق نوع من التكامل في انتظار مدونة جامعة للتوثيق، تجمع الموثقين العصريين معا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا على مشاركتكم